الأربعاء، 20 يوليوز 2011

سيجارة الأعشاب‏..‏ وهم أم حقيقة؟‏!‏ حاصل علي دبلوم تجارة ينتج سيجارة بلاستيكية بزعم قدرتها علي تمكين المدخن من الإقلاع عن التدخين


تحقيق‏:‏ سيد صالح ـ محمد غانم

محمد ربيع صاحب الاختراع

فجأة‏..‏ تفتق ذهن محمد ربيع محمود‏(‏ حاصل علي دبلوم تجارة‏)‏ علي تصميم سيجارة من البلاستيك بها مادة المنتول‏..‏ ولم يكتف بذلك‏,‏ فقد قام بتصنيعها ووضعها داخل غلاف عليه صورته دون به عدة عبارات منها أفضل وسيلة للإقلاع عن التدخين‏,‏ وداعا لرائحة الدخان الكريهة‏,‏ مرحبا برائحة الأعشاب الذكية‏..‏ مؤكدا أن السيجارة مصنوعة من البلاستيك الصحي‏.‏ ودون علي الغلاف أيضا اسم الشركة المنتجة وهي الشركة المصرية للأعشاب والمستحضرات الطبية فارما تاتش ثم عنوان الشركة وتليفونها ورقم الفاكس‏.‏
وتقدم إلي مكتب براءات الاختراع للحصول علي براءة اختراع أصلية عن السيجارة‏..‏ لكن الغريب في الأمر أن صاحب الفكرة لم يحصل علي تصريح من وزارة الصحة‏,‏ ولم يؤسس شركة باسم فارما تاتش ولم يتقدم إلي مصلحة الشركات بذلك ـحتي كتابة هذه السطورـ ورغم ذلك تباع السيجارة البلاستيكية في الأسواق‏..‏ لا نعرف كيف‏..‏ ثم اتضح فيما بعد أن الشركة التي دون اسمها علي غلاف السيجارة مجرد وهم‏..‏ فقد فعل صاحب الفكرة كل شيء دون الحصول علي تصاريح أو تراخيص من الجهات المعنية‏..‏ أما الأعشاب التي تحدث عنها‏,‏ فالحقيقة أنه وضع مادة المنتول داخل قطعة قطن بالسيجارة فقط‏..‏ ثم بدأنا رحلة البحث عن الحقيقة‏.‏

التقيت وصاحب فكرة السيجارة محمد ربيع محمود‏..‏ قلت له‏:‏ ما هي حكايتك مع الاختراع؟
يقول‏:‏ ربنا ألهمني لتصنيع هذه السيجارة‏,‏ فقد كنت أدخن السجائر منذ‏20‏ عاما‏..‏ وكعادة أي مدخن يحاول الإقلاع عن التدخين حيث يكون لديه صراع نفسي مع السيجارة‏..‏ وكيف ينتصر عليها؟ أحيانا يتخلص منها‏..‏ وأحيانا يقسم بألا يدخنها مرة أخري‏..‏ فقمت بتصنيع نموذج مبسم علي شكل سيجارة بالضبط لإعطاء الإيحاء النفسي‏..‏ وفكرت في وضع لمبة في مقدمتها لإعطاء إيحاء الاشتعال‏,‏ ثم تراجعت عن فكرة اللمبة لارتفاع تكلفتها المادية‏..‏ وبعد عام من الاختراع‏,‏ ألهمني الله أن أضع مادة المنتول التي قرأت عنها في كتب الأعشاب‏,‏ وهي مادة تعالج الضيق والتشنجات‏..‏ كنت أبحث عن وسيلة تساعد المدخن علي الإقلاع عن التدخين‏..‏ ووجدتها‏..‏ خاصة أن سجائر التبغ بها أكثر من‏5‏ آلاف مادة مسممة‏.‏
قلت له‏:‏ من قال لك هذه المعلومة؟

يجيب‏:‏ الأطباء‏..‏ أنا سمعتهم في التليفزيون والصحف‏,‏ فقد قرأت مثلا أنه تم اكتشاف أن السيجارة بها مادة تبقي لمدة‏5‏ آلاف سنة في جسم المدخن بعد وفاته‏.‏
أما عن المادة التي تم تصنيع السيجارة منها‏,‏ فقد أكد صاحب الفكرة أنها مادة أنتي شوك‏..‏ مشيرا إلي أنها مادة طبية وليس لها أي أضرار‏..‏ وهي معتمدة من وزارة الصحة‏.‏
يضيف محمد ربيع صاحب فكرة السيجارة البلاستيكية‏:‏ عندما أنتجت العينات أجريت بعض التجارب علي صحفيين وأطباء وعلماء وعامة الناس من المدخنين‏..‏ السجائر التبغ وهم‏..‏ وأنا أعالج الوهم بحقيقة هي السيجارة البلاستيكية المصنوعة من البلاستيك الصحي التي تحتوي علي أعشاب طبيعية‏.‏

انتهت أقوال صاحب الفكرة‏..‏ لكننا لا نعرف ما إذا كانت السيجارة مصنوعة من البلاستيك الصحي‏..‏ أما الأعشاب فهي مجرد منتول المستخلص من النعناع‏.‏

خامة السيجارة‏!‏

ما هى المادة التى صنعت منها السيجارة

هنا يقول الدكتور عبدالرحمن موسي أستاذ البوليمرات والكيمياء بعلوم عين شمس‏:‏ إن المواد التي تتم ملامستها أو وضعها داخل جسم الإنسان لابد أن تكون مطابقة لمواصفات منظمة الصحة العالمية‏WHO),‏ ومنظمة الغذاء والدواء‏FDA),‏ وكذلك المنظمة العالمية للتوحيد القياسي التي تنص بعض قوانينها علي مواصفات المواد التي يتم استخدامها في الغذاء والدواء‏,‏ كذلك المواد البلاستيكية التي تستخدم في تغليف الغذاء والدواء‏..‏ وهذا ينطبق أيضا علي السيجارة البلاستيكية التي تتلامس مع الفم والشفاه وهي يجب أن تخضع للقوانين نفسها‏..‏ والأمر هنا يستلزم توضيح التركيب الكيميائي لها‏,‏ والمادة التي صنعت منها‏,‏ فضلا عن ضرورة الحصول علي تصريح باستخدامها في ملامسة جسم الإنسان سواء بالفم أو اليد‏..‏ وهذه المواد مجهولة المصدر محظورة عالميا ومحليا ما لم يثبت بالتحليل والدليل القاطع أنها لا تضر بجسم الإنسان‏..‏ ولأن هذه المادة البلاستيكية مجهولة المصدر فإنها تخضع لقوانين الحظر والمنع والتجريم‏..‏ وهناك مواد يؤدي وجودها بتركيزات ضئيلة‏,‏ حتي لو كانت جزءا في المليون أو جزءا في البليون‏,‏ إلي انتقال مواد سامة إلي جسم الإنسان‏..‏ كما أن جميع أنواع البوليمرات أو المواد البلاستيكية تستلزم تصريحا باستخدامها وسلامتها لجسم الإنسان‏,‏ كذلك في حالة الدواء والغذاء‏..‏ وبالتالي فإن هذه السيجارة لابد أن تخضع للتحليل والحصول علي تصريح قبل السماح بإنتاجها وتداولها حرصا علي الصحة العامة للمواطنين‏.‏

سر المنتول‏!‏
يتدخل في الحديث الدكتور محمود كحيل أستاذ العقاقير بصيدلة القاهرة حيث يؤكد أن المنتول الذي تحتويه هذه السيجارة البلاستيكية ليس بديلا عن النيكوتين الذي يدخل الجسم بتدخين التبغ‏,‏ ولا يمكن أن تقوم مادة المنتول ـوهي إحدي المواد المفصولة من زيت النعناعـ بدور النيكوتين‏,‏ وإن كانت تستخدم في مجالات عدة كمسكن للآلام ومخدر موضعي‏,‏ فضلا عن كونها طاردة للغازات ومهدئة للمعدة‏..‏ وهي تدخل في صناعات عديدة لأنها تؤدي إلي تحسين الطعم والرائحة‏.‏

أعراض الإقلاع
سألت الدكتور عبدالهادي مصباح أستاذ المناعة والميكروبيولوجي‏..‏ هل مثل هذه السيجارة تمكن المدخن من الإقلاع عن التدخين‏..‏ ولماذا يشعر المدخنون بصعوبة في الإقلاع عنه؟
يجيب‏:‏ التدخين نوع من أنواع الإدمان ويعمل علي مسارات مركز الرضا في المخ‏,‏ حيث إن الارتباط بالتدخين يجعل المخ يفرز مادة دوبامين الذي يشعر المريض بحاجته إلي السيجارة مرة أخري لأن المخ يتوقف عن إفراز هذه المادة عندما يتعاطي الإنسان أي مادة مسببة للإدمان من خارج الجسم‏..‏ وبالتالي هناك وسائل للإقلاع عنه‏,‏ مثل لبان النيكوتين ولزقة النيكوتين‏,‏ وكلها بدائل تقلل من أعراض الانسحاب التي تنشأ عن الإقلاع عن التدخين‏..‏ وهي تمنح المدخن نسبا متدرجة من النيكوتين‏,‏ لكن نسبة نجاح هذه البدائل لا تتعدي‏10%,‏ وهناك نيكوتين في صورة اسبراي‏,‏ أما الجديد فهو استخدام مضادات الاكتئاب للإقلاع عن التدخين مثل مادة بيوبروبيون‏,‏ ونورتربثيلين وهي تقلل من أعراض الانسحاب‏,‏ كما تقلل من أعراض الاكتئاب الذي يظهر كعرض جانبي نتيجة التوقف عن التدخين‏..‏ وقد حققت هذه الوسيلة نسبة نجاح في الإقلاع وصلت إلي‏44.2%‏ وفقا للدراسات العلمية الحديثة في هذا المجال‏.‏

أنواع التدخين‏!‏

عوض تاج الدين

غير أن الدكتور عزالدين الدنشاري أستاذ الفارماكولوجي بكلية الصيدلة جامعة القاهرة يضيف معلومة أخري بقوله‏:‏ إن التدخين ستة أنواع‏,‏ منها التدخين الحسي كارتباط المدخن بصوت ولاعته أو لمسته السيجارة أو رائحة الدخان وشكله‏,‏ وهناك التدخين النفسي الذي يرتبط لدي الشخص بالحزن أو الفرح أو الضحك‏..‏ أما أخطر هذه الأنواع فهو التدخين الإدماني الذي تنطبق عليه كل خصائص الإدمان‏..‏ ومن الممكن أن يحدث للمدخن اعتماد عضوي ونفسي علي النيكوتين لدرجة أن المدخن لو أقلع فجأة عن التدخين‏,‏ خاصة لو كان مفرطا فيه‏,‏ فإنه قد يصاب بأعراض الحرمان‏,‏ ومنها أعراض نفسية وعضوية‏..‏ وقد ثبت بالدراسات العلمية أن الحيوانات يمكن أن تدمن النيكوتين‏..‏ وعندما تقلع عنه تصاب بأعراض تسبب لها الثورة والهياج‏..‏ وهذا ينفي ما يؤكده صاحب هذه السيجارة وهو أن التدخين عامل نفسي‏..‏ وفي حقيقة الأمر فإن التدخين لا يعتمد علي العامل النفسي فقط‏..‏ وما يؤكده صاحب هذه السيجارة هو مجرد افتراض غير قابل للتأكيد‏,‏ وغير مؤسس علي دراسات علمية وتجارب موثقة‏..‏ وأسأله‏:‏ أين الدليل العلمي الذي يثبت أن هذه السيجارة البلاستيكية تغني المدخن عن التدخين بأنواعه المختلفة‏.‏
ولابد أن يعلم صاحب فكرة السيجارة البلاستيكية أن ما يراه وسيلة للإقلاع عن التدخين هي في الحقيقة فكرة مقتولة‏,‏ وقديمة ظهرت منذ أكثر من‏30‏ عاما‏,‏ وهي لا تجدي‏..‏ لأن السواد الأعظم من المدخنين في مصر وصلوا إلي حد الإدمان‏..‏ الأمر الذي يجب أن نعالجه بوسائل علمية مؤكدة‏,‏ فالنيكوتين يصل إلي المخ بعد‏7‏ ثوان ونصف الثانية من جذب أنفاس السيجارة‏,‏ وينتهي مفعوله خلال دقائق‏..‏ الأمر الذي يجعل المدخن أيضا في حاجة إلي جرعة أخري من النيكوتين لا توفرها هذه السيجارة البلاستيكية‏..‏ خاصة أن خلايا جسم المدخن تكون قد تعودت نفسيا وفسيولوجيا علي النيكوتين‏,‏ كما أن مستقبلات في المخ والأعصاب تكون قد ارتبطت به‏..‏ وعند الإقلاع المفاجئ يحدث رد فعل عكسي وأعراض عضوية منها الخمول والكسل والتوتر والعصبية الزائدة‏,‏ فضلا عن الاكتئاب‏.‏


حسن خضر

قلت له‏:‏ لكن صاحب فكرة السيجارة يقول إن سجائر التبغ بها مادة تبقي في جسم المدخن لمدة‏5‏ آلاف سنة بعد وفاته؟
يجيب د‏.‏ الدنشاري‏:‏ هذا الكلام غير حقيقي‏,‏ وغير علمي‏..‏ فقد تعارف الناس علي التدخين مع بداية الحرب العالمية الأولي‏,‏ فكيف إذن عرف أن سجائر التبغ بها مادة تبقي في جسم المدخن‏5‏ آلاف سنة بعد وفاته‏.‏

يضيف‏:‏ إن هذه السيجارة البلاستيكية يجب أن تخضع للدراسات العلمية‏,‏ إذ كيف لصاحب الفكرة أن يقطع ويجزم بأنها أفضل وسيلة للإقلاع عن التدخين دون أن تجري عليها تجارب علمية ومعملية‏,‏ سواء من ناحية المواد التي تدخل في تصنيعها‏,‏ ومدي خطورتها علي الصحة العامة من عدمه‏..‏ وبعد ذلك يتقدم للحصول علي تصريح من وزارة الصحة للسماح بتداولها‏.‏
والسؤال‏..‏ أين وزارة الصحة برقابتها المكثفة‏..‏ وكذلك أين وزارة التموين مما يجري في الأسواق؟‏!‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق